حرق نسخة من القرآن تعبير سلمي لا يقارن بقتل طفلة في قطار
محمد إقبال بلّو
طعن شاب فلسطيني سوري عربي مسلم سني سبعة أشخاص في قطار ألماني ينقل الركاب بين مدينتي هامبورغ وكيل، توفي اثنين من الضحايا وهما طفلة عمرها ستة عشر عاما، وشاب عمره تسعة عشر عاما، قالت الشرطة الألمانية بان منفذ هذه الجريمة شاب يعاني من مشاكل نفسية.
وربما كل من يقوم بجريمة كهذه لا بد من توصيفه بأنه شخص مختل، فمن يقدم على طعن أناس لا يعرفهم في قطار لا بد أنه كائن غير طبيعي، لكن لماذا هذا الكائن وأشباهه لا يرتكبون هذه الجرائم في بلدانهم؟ ربما أحكام الإعدام والسجون غير الإنسانية والمتوفرة بكثيرة في دولنا العربية تمنعهم عن ذلك، وربما السجون التي تحترم الإنسان وتتعامل معه على أنه مريض يجب ان يعالج والمتوفرة في اوروبا تشجعهم على ذلك او تمنحهم الجرأة الأكبر على هذا الفعل الإجرامي.
تحدث جرائم قتل في بلداننا العربية نعم، لكنها ترتبط عادة بخلافات بين القاتل والمقتول، أما الجرائم ضد أشخاص مجهولين بالنسبة للمجرم فهي حالة تتكرر في أوروبا منذ سنوات، وبوضوح أكبر منذ أزمة اللاجئين في عام 2015 بحيث وصل مئات الآلاف إلى أوروبا وتم قبول لجوئهم دون النظر في خلفياتهم سواء الاجتماعية أو الدينية أو حتى النفسية، ما فتح المجال أمام مئات او آلاف المجرمين لأن يستقروا ويعيشوا في المجتمع الأوروبي، يحصلون من دافعي الضرائب على مبالغ مالية تقيهم شر العوز كما تقيهم تعب العمل، ويعيشون في بيوت جيدة ويتلقون رعاية صحية ممتازة، على حساب دافع الضرائب الأوروبي، والذي يعمل خمسة أيام في الأسبوع ثماني ساعات في اليوم على الأقل بينما هم يحصلون على كل شيء دون عمل، أو بعمل غير نظامي وغير مسجل أو غير مشروع، ثم وبعد كل ذلك يخططون لجرائمهم ضد هذا المجتمع وينفذونها، لكن لماذا؟
معظم تلك الجرائم لم تصنف على أنها جرائم إرهابية، لأنها لم تكن مرتبطة بتنظيمات إجرامية متطرفة معروفة ومصنفة على لوائح الإرهاب، لكن ذلك لا يعني بان دوافع تلك الجرائم غير إسلامية، فالقاتل من هذا النوع على الرغم من عدم ارتباطه بتنظيمات إرهابية إلا أنه نشأ وترعرع ونهل الفكر الإرهابي عبر المجتمعات التي تعتبر كل شخص لا يتبع دينها كافرا لا يحق له العيش بل يجب محاربته حتى يصبح مسلما، وهذه هي عقيدة الجهاد لدى معظم المسلمين حتى أولئك المسالمون الذين لا يفكرون بارتكاب أية جريمة، يرون بأن غير المسلمين كفرة.
هذا الاستعلاء الذي ربى عليه المسلمون وخاصة العرب منهم أبناءهم جعلهم ينظرون إلى الآخر على أنه كائن لا يستحق العيش، وبأن نهايته نار جهنم المزعومة، وبأن نهايتهم هم الجنة حتى ولو ارتكبوا الأخطاء أو تمادوا لارتكاب الجرائم، إذ أن الله يغفر للمسلم الخطّاء مهما كان ذنبه كبيرا إذا تاب وتوقف عن ارتكاب ذلك الذنب، وبالتالي فيمكنه القيام بكل ما يخطر بباله ففي النهاية هناك توبة ومغفرة تميزه عن باقي أصناف البشر بحسب ما يرى.
لا يمر أسبوع على أوروبا دون جرائم من هذا النوع، ومن قبل أشخاص عاديين مسلمين فقط، لم ينتسبوا لأية منظمات إرهابية، ولا يعملون لصالح أية جهة، هم فقط يستهترون بحيوات الآخرين ويظنون أنها غير هامة عندما يكون هؤلاء ىالآخرون غير مسلمين.
يحدث كل هذا ولا يريد بعضنا أو كلنا الاعتراف به وبوجوده وبحقيقته، بل معظمنا يتمادى في الدفاع عن المجرم، وسيل التعليقات تحت كل خبر منشور من هذه الاخبار يؤكد ذلك، ففي كل جريمة نجد مئات التعليقات التي تقول بان المجرم لو كان غربيا لقال الإعلام الغربي بأنه مختل، وعندما يكون عربيا يقول الإعلام بانه إرهابي، والواقع يؤكد بأن هذه التعليقات كاذبة وليست سوى تبرير لتلك الجرائم والمطالبة باعتبار مرتكبيها مرضى لا أكثر، على الرغم من أن الحكومات الأوروبية مؤخرا تحاول ربط معظم الجرائم بمشاكل مجتمعية أو أمراض نفسية عاناها المجرم، وتحاول الابتعاد عن قول الحقيقة التي ذكرتها أنا في بداية الحديث عن أسباب تلك الجرائم، فالحكومات الاوروبية تسعى إلى التهدئة ولا تريد أن تحدث توترا في الشارع الأوروبي قد يؤدي إلى العنف.
تقوم قائمة المسلمين في شتى انحاء العالم عندما يحرق يميني متطرف نسخة من القرآن، وعلى الرغم من حقد هذا اليميني المتطرف وفكره المشوّه، إلا أنه يستحق منا جميعا الإعجاب، لأنه يقوم باحتجاج ما أو بقول رأي ما بأسلوب حضاري جدا، يحرق كتابا دينيا، ورق لا أكثر، فتعاليم القرآن ليست ورقا بل هي أكثر من ذلك، هذا المتطرف يعبر عن رأيه بشكل سلمي وليس بطعن طفلة مسلمة في قطار.
أقترح على منظمي المظاهرات المنددة بحرق القرآن أن ينظموا مظاهرات أخرى تدين قتل الأبرياء وتعترف بأن المسلمين ليسوا خير امة أخرجت للناس، حينها قد يحترمكم العالم ولا أحد يحرق كتابكم المقدس.