ياسر خوجة وأبيه.. خطيب الجمعة وأولاد الحرام.. والسؤال الفريد

ياسر خوجة وأبيه.. خطيب الجمعة وأولاد الحرام.. والسؤال الفريد

ياسر خوجة:

في أحد خطب الجمعة التي كنت أحضرها، وأنا صغير، كان الشيخ يصب جام غضبه على الرسوم المتحركة تلك التي أبطالها الأطفال يبحثون عن أمهاتهم ولا يعرفون من أباؤهم، وكان الشيخ يقصد أن هذه الشخصيات الكرتونية (أولاد حرام)، حينها كان يعرض مسلسل (بيل وسيباستيان) و مسلسل (ريمي) تلك المسلسلات التي بعصت الشيخ على ما يبدو..
حين خرجت من الجامع يومها كنت أعرف من هو أبي الذي تركني وأنا بعمر خمسة أشهر لكن لا أعرف عنه أي شيء و في أي بلد يعيش فقررت أن أبحث عنه واعرف من هو فعلا بعيداً عن قصص جدتي التي تراه غزالها المدلل وبعكس الافلام الكرتونية لم أبحث عن أمي التي تركتني وأنا بعمر سنة والتي كانت تسكن بعيدا” عني خمسة كيلومترات فقط.
بدأت عبر سنوات التقط أخباره من هنا وهناك.. لقد كان صوته جميلا جداً وكان عندي (شريط كاسيت) وحيد بصوته وهو يغني أغاني فرنسية للمطرب الفرنسي “جو داسا”، أسس فرقة في سورية اسمها “Jimmy & masters” كان هو جيمي وعلق هذا الاسم به حتى نهاية حياته، كان دونجوان وسيد صالونات بشعره الطويل وملابسه الغريبة عن سكان دمشق تلك التي كان يرتديها وقذر مع السيدات، تزوج ثلاث مرات الأولى كانت من النمسا والثانية فتاة من العراق والأخيرة كانت أمي وهي الوحيدة التي أنجبت منه طفلين.. أنا الثاني.
قام بإدارة ملهى “الكافدرورا” الذي أصبح اسمه “الكهف” لاحقا” مقابل مطعم نادي الشرق ولسمعته السيئة أدار مطعم نادي الشرق نفسه لمدة عامين.. لم يتخل عن الغناء، وفي أحد الأيام تمت دعوته لإحياء حفل في نادي ضباط دمشق وكان في الحفل امرأة اكتشفت أن الضابط الذي كانت تجلس معه يخونها مع امرأة أخرى فخططت للانتقام وبعد أن شربت عدة كؤوس من الخمر توجهت نحو أبي وحضنته وبدأت بتقبيله من كل مكان وأثار هذا الفعل حفيظة هذا الضابط الذي كان سكراناً الأمر الذي أدى به إلى سحب مسدسه وأطلق النار باتجاه أبي والفرقة التي كانت تعزف.. إحدى الرصاصات كادت أن تدخل برأس ابي، هرب الجميع وعاد والدي إلى المنزل وضب أغراضه على عجل وهرب إلى اللبنان لأن هذا الضابط الذي يهابه الجميع اسمه “رفعت الأسد”.
كانت هذه آخر مرة تراه فيه جدتي و آخر مرة يرانا و يقبلني أنا وأخي ونحن نيام.
من لبنان توجه إلى لندن بمساعدة من المطرب طوني حنا وهناك حسب ما عرفت من صديق له و الذي قضى معه فترة أحبته امرأة يهودية وأخذته معها إلى أمريكا واختفى بعد هذا ولم نسمع عنه أي شيء لمدة 16 عام.
كل هذه القصص والقصاصات التي جمعتها عنه من أصدقاء و صديقات له وأقارب وكانت جدتي ترفض أن تحكيها لنا حتى لا تشوه صورة غزالها أمامنا.
بدأت مرحلة بحث أخرى عنه وأنا في العشرين من عمري واستطاعت أخته أن تزوره في أمريكا وجاءت لي برقم هاتفه.. ترددت عدة أيام في الاتصال به.. ماذا سأقول له بعد كل تلك السنوات وكيف ساقول له أبي! مع ذلك كسرت هذا التردد واتصلت به وبعد أن بكى وضحك وتلعثمنا معاً سألني أول سؤال: عم تنيك؟
بقيت على تواصل معه لمدة ثلاثة أعوام ومن ثم اختفى مرة أخرى ولم أعثر له على أثر ومنذ خمسة سنوات وفي مثل هذا اليوم وبفضل الفيسبوك استطعت التواصل مع سيدة أمريكية وهية زوجة أحد أصدقائه ونقلت لي خبر موته بالسرطان، أصبحت عازماً أن أعرف كيف مات ثم عرفت أنه كان يعاني من سرطان الرئة وكان هناك شاب حلبي لاجىء في أمريكا يعتني به وحين مات على فراشه استولى هذا الشاب على ثلاثة آلاف دولار كان يملكها وتركه ميتاً على فراشه وهرب واستطعت الحصول على رقم هذا الشاب وحين علم من أنا حظرني.
لا اعرف حقيقة إذا كان أبي استحق هذا أم لا، لكني بقيت حزيناً لفترة طويلة لأنني لم أكن موجوداً حتى اعتني به ولأني لم استطع أن اضع له على قبره وردة ولا اعرف هذه القصة إذا كانت تشبه مسلسل كرتوني وأنا من فيها.
ارتاح ابي في النهاية ولم يترك لي إلا قصصا موجعة وحياة مليئة بالتجاعيد..

*مختارات
*من صفحة الكاتب في فيسبوك

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s